منذ سرت٠على درب اØترا٠العز٠على آلة الكمان، وسيلةً للتعبير عن الذات ونمطاً للØياة، وأنا ÙÙŠ وضع اختبار واع٠مÙستمر لدور الجسد، لا لكونه المÙØرّك ÙÙŠ عملية الأداء، سواء كان رقصاً، مسرØاً أو موسيقى، أو Øتى ÙÙŠ ميدان الÙنون الجميلة المعاصر Øيث ÙŠÙشار إليه بذات الاسم “أداء” (Performance) تØت مظلة ما بات ÙŠÙعر٠بالØركة التصوّرية (Conceptualism)ØŒ بل لكونه أيضاً راÙداً تعبيرياً Ù…Øتملاً للصوت الصادر عن الآلة عند التواصل مع المتلقي، إذا كان الأخير بدوره Øاضراً بجسده، يرى بعينيه Ùيما هو يسمع بأذنيه.
Ùهل (وكيÙ) تÙعزّز الإيماءة بصرياً الشØنات الانÙعالية والتبدلات الدرامية التي تطرأ على الجمل والأÙكار الموسيقية؟ هل لها أن تÙضي٠جوهرياً إلى مضمون العمل ووجهته السردية، أم أنّها Ùقط تÙزيّنه ظاهرياً من باب المشهدية، أو الإضاÙØ© الاستعراضية؟
ÙÙŠ الماضي القريب، وضمن أوساط الموسيقى الكلاسيكية العالمية، من أعلام وأساتذة ونÙقّاد، بقي الموق٠ÙÙŠ غالبه كابتاً مرتاباً، غيرَ Ù…Ùشجّع٠على إضاÙØ© دور تعبيري للجسد قد يلعبه ÙÙŠ العز٠أو الغناء، ما خلا Øال Ø§Ù„Ù…Ø³Ø±Ø Ø§Ù„ØºÙ†Ø§Ø¦ÙŠ أو الأوبرا، خارج نطاق الØركة الÙيزيائية المØضة المختصة بالتصويت (أي إصدار الصوت عن الآلة) أو الملتزمة إملاء سرعة ووجهة الجمل الموسيقية ومستويات الشدة والخÙّة لديها، مثلما يكتÙÙŠ قائد الÙرقة الموسيقية بتØريك اليد الممسكة بالعصا، دونما اللجوء إلى الإيماء بالوجه أو بأيÙÙ‘ من باقي الأطراÙ.
نظرةٌ تنبÙع إجمالاً من الطبيعة المØاÙظة لمجتمع الموسيقى الكلاسيكية من جهة، ومن جهة أخرى، لتأسسه قروناً قبل ظهور وسائل الإعلام البصري من سينما وتلÙزيون ÙˆÙيديو، واليوم من إنترنت وسوشيال ميديا. ØينئذÙØŒ لم يكن قد تسنّى للإيماءة الجسدية بعد، Ùضلاً عن تعابير الوجه، أن تكون مرئية، ولم يكن لأثرها البصري أن يعبر أصلاً، Øدود الخشبة إلى أرجاء القاعة، مساÙةً أبعد من صÙÙÙ‘ أو صÙّين من مجالس المستمعين.
بغية تأمل أثر الإعلام المرئي ÙÙŠ إغراء المؤدي إلى إشراك جسده ÙÙŠ التعبير بأثناء الأداء الموسيقي، تكÙÙŠ مقارنة جمود جيل أول – إلى منتص٠القرن من نجوم الموسيقى الكلاسيكية، كأسطورة الكمان، ياشا هايÙتس (1901-1987: Jasha Heifetz) وأسطورة قيادة الأوركسترا، أرتورو توسكانيني (1867-1957: Arturo Toscanini) مقابل بروز، وأØياناً تصدّر، إيماءات الوجه وسائر الجسم لدى المعاصرين من النجوم. من بين الذين قد ØªØµØ ØªØ³Ù…ÙŠØªÙ‡Ù… “جيل التلÙزيون”ØŒ كعازÙØ© الكمان الهولندية، جانين جانسن (Janine Jansen) وقائد الأوركسترا الروسي، كيريل بيترنكو (Kirill Petrenko).
عوامل ثقاÙية، لا بدّ مهّدت أيضاً للانتقال من السمو بالÙنان كأسطورة ÙÙŠ الوعي الجمعي زمان الØقبة الرومانسية، إلى إنتاجه كنجم مع Øلول منتص٠القرن العشرين. انتقالٌ، تزامن مع ازدهار الصناعة الÙنية؛ إذ لم تعد الصورة تكتÙÙŠ بتصوير الموسيقي الملهَم كنص٠إله، أو وسيط للألوهة، بل صارت جزءاً من “الصورة” (Image) بغية تسليع الÙنان وتسويقه جماهيرياً، لا سمعياً Ùقط، بل بصرياً أيضاً، الأمر الذي بات ÙŠÙØÙّز لديه، من دون وعي بالضرورة، مزيدَ الاستثمار ÙÙŠ التعبير الإيمائي بغية مزيد٠الجذب المرئي. وكأني به صار يعز٠دائماً والكاميرا Øاضرة أبداً ÙÙŠ باله.
ينطبق الأمر، أو Øتى ينطلق من أجناس موسيقية أخرى، هي بطبيعتها أشدّ قرباً من الÙنون الاستعراضية، كموسيقى البوب، الهارد روك، والهيب هوب. Ùيها لا يكتÙÙŠ الموسيقيون بإطلاق العنان للإيماء الجسدي ÙÙŠ أثناء الغناء خل٠الميكروÙون، أو العز٠على الغيتار والدرامز، بل يرقصون إما منÙردين أو برÙقة مجموعات.
أما ÙÙŠ الموسيقى العربية، Ùشتّان ما بين وقÙØ© الشموخ والجلالة التي كانت لأم كلثوم، ما بين خمسينيات القرن الماضي وسبعينياته، أو طلّة السمو والطهارة التي Ù„Ùيروز، أيام ستينيّاته وسبعينيّاته (على الرغم من خبرة كلّ من السيدتين الواسعة Ø¨Ø§Ù„Ù…Ø³Ø±Ø ÙˆØ§Ù„Ø³ÙŠÙ†Ù…Ø§)ØŒ وبين تمايل جيل “الÙيديو كليب” ومن بعده اليوتيوب. وشتان ما بين Øضور منير بشير، جالساً منتصباً، Ù…Øتضناً يعز٠على عوده برزانة واتزان، وما بين علامات الاستغراق وإيØاءات الوجد والطرب التي تبدو على ثلاثي جبران.
من زاوية أخرى، إنّ كلّ من يعز٠على آلة من الآلات، هاوياً كان أو Ù…ØترÙاً، لا بدّ أنّه سبق له الإØساس بالموسيقى Øين تصدر عن آلته، كي٠أنّها تØÙّز معها Øركةً ما أو إيماءة، تنعكس تعبيراً على الوجه، أو تØريكاً لواØد٠من الأطراÙØŒ وذلك على الرغم من أنّها ليست، بالضرورة التقنية، من مستلزمات إنتاج الصوت.
أشبه بطاقة تعبيرية تبثّها الأنغام ÙÙŠ جسم العاز٠تدÙعه إلى الاستجابة، إما تÙاعلاً مع الصوت الصادر عن آلته، استباقاً للأثر الذي ÙŠØمله، تماهياً به، تناغماً معه، أو مؤازرة لجهد التصويت ÙÙŠ التعبير عن مكنوناته الشعورية، غالباً ما ÙŠØصل ذلك بصورة تلقائية طبيعية، سواء ÙÙŠ ظلّ مشاهد يشاهد وهو يستمع، أو من دونه.
من تلك الزاوية، يذهب كلّ من الباØثين ÙÙŠ علم النÙس الإدراكي روجر وات (Roger J Watt) ورويزن آش (Roisin L Ash) إلى ما هو أبعد، وذلك ÙÙŠ بØØ« لهما Ù†Ùشر سنة 1998 تØت عنوان “تقصÙÙ‘ سيكولوجي عن المعنى ÙÙŠ الموسيقى”ØŒ ÙيقترØان أنّ المادة الموسيقية، أو المقطوعة بØدّ ذاتها، تعمل كطر٠درامي اÙتراضي، يدخل ÙÙŠ Øوار مع العاز٠ÙÙŠ أثناء العزÙ.
Ù…Øاورٌ داخلي، أو بØسب Ø§ØµØ·Ù„Ø§Ø Ø§Ù„Ø¹Ø§Ù„Ù…ÙŠÙ† “ممثل – بيني، اجتماعي” (Social Inter-actor) يتكون ÙÙŠ خيال الÙنان عند إخراجه المادة الموسيقية، لينخرطا معاً ÙÙŠ تبادل للأثر والاستجابة. ÙØين تÙرشد إشارة مكتوبة على مدونة موسيقية مثلاً، إلى ضرورة العز٠بقوة، من شأنها أن تØرّض العاز٠على هزّ رأسه لاشعورياً ÙÙŠ أثناء التنÙيذ، من باب “التواÙÙ‚” (Agreement) على Øد تعبير البØØ«ØŒ وذلك Ù‚Ùبيل، أو بالتزامن مع إصدار الصوت من الآلة، كما تنصّ الإشارة، على Ù†ØÙˆ أشدّ علوّاً وارتÙاعاً.
أما المؤل٠المصري-الأميركي الراØÙ„ØŒ Øليم الضبع (1921-2017) الرائد ÙÙŠ الموسيقى الإلكترونية، والباØØ« ÙÙŠ العلوم الموسيقية، Ùقد سبق أن تØدث عن الإيماء الجسدي ضمن أطار ÙلسÙÙŠ جمالي يرى ÙˆØدة وجودية بين الصوت والجسد ÙÙŠ الزمكان، Ùذكر ÙÙŠ نص Ø´Ø±Ø Ùيه مقطوعته الأدائية، إصدار عام 1981ØŒ بعنوان “تضاريس الصوت” (Tonography) يقول:
“إيماءة الØركة الجسدية للمؤدي، ÙÙŠ أثناء عملية توليد اللØن، تساعد ÙÙŠ تØديد إنتاج الأنغام. الصوت والنغم عند البدء، يقومان بتشكيل المكان. أما المؤدي، Ùيتابع بجسده النغمة، ÙŠÙخطط لها Øركتها ÙÙŠ المكان، اهتداءً بلغة لها Ù…Ùرداتها من رموز وتصاميم. بواسطتها، يقوم Ùعل الأداء، عبر الإيماء، بإخطار الصوت، بقدر ما يقوم الصوت، عبر الÙضاء، بإخطار الأداء”.
لطالما كنت شخصياً على الدوام من بين الموسيقيين المومÙئين المتØركين ÙÙŠ أثناء العزÙ. أنا أولاً من جيل التلÙزيون والإعلام المرئي. بالإضاÙØ© إلى ذلك، كان إدراكي للموسيقى، منذ الصغر، درامياً بالمنشأ وبالتصميم، ذا طبيعة سردية بالتكوين، الأمر الذي جعل من التعبير الجسدي بالنسبة إلي، استجابة مسرØية طبيعية إزاء الØدث الموسيقي.
معلّمي للكمان ÙÙŠ دمشق لأكثر من عشرين عاماً، الروسي ÙŠÙغيني لوغينوÙØŒ لم ينتقد يوماً إيماءاتي الجسدية ÙÙŠ أثناء العزÙ. لا بل إنّه، ÙÙŠ Ø¥Øدى المناسبات آتياً بي كمثال، كان قد تطرّق إلى تلك المسألة أمام جمع من طلابه، Øين قال: “لا ضير من إطلاق لغة الجسد ÙÙŠ أثناء الأداء الموسيقي، ما دامت تتّسق مع دلالات الموسيقى وإشاراتها”. أي بتعبير آخر، ÙˆØدها النزاهة الÙنية، ما يسوّغ للمؤدي الموسيقي توظي٠الجسد ÙÙŠ التعبير.
ÙÙŠ المقابل، أذكر أنّ Ø£Øد الزملاء ÙÙŠ دمشق شكا لي يوماً Øركتي ÙÙŠ أثناء العز٠بدعوى أنها مؤذية للعين، Ùيما Ø´Ø±Ø Ø¢Ø®Ø± بأنه لجأ إلى Øجب نظره لبرهة ÙÙŠ أثناء الاستماع إليّ خلال Ø¥Øدى الأمسيات التي Ø£Øييتها، وذلك لكي يتسنى له التØقق من ألّا قيمة أضيÙها Øقاً بوساطة جسدي إلى المØتوى الذي يصدر عن كماني.
اليوم، وبتبلور خبرتي، لا كعازÙ٠كمان، بل كمÙدرّس٠للعز٠عليها لأكثر من عقد ونصÙØŒ بتّ أؤمن بأنّ التجربة الأدائية إنّما هي Øالٌ من البذل الكلّي والعطاء المتكامل، لجهة أنّها أولاً، انعكاسٌ Ù„Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ø¹ØµØ± وثقاÙØ© المجتمع، لدرجة انÙتاØÙ‡ على الجسد بوصÙÙ‡ وسيلةً للتعبير عن الذات.
ثانياً، هي نتاج تÙاعل الموسيقي العازÙØŒ بطبيعته النÙسية وسيرته الذاتية وقدراته الÙنية وشكل علاقته بجسده، مع المادة الموسيقية من صوت ومÙردات وأدوات. أما ثالثاً، Ùهي ذلك الØوار المجازي الذي ينخرط به المؤدي مع الآخر عبر الموسيقى، ليس بوصÙها صوتاً ÙØسب، بل طاقة روØانية عارمة تدبّ ÙÙŠ كلّ ما Øولها ومن Øولها. سواء أكان الآخر هنا، ينصت ويرى، أم كان هناك.